تمثال مجدي يعقوب من الطين الأسواني: إبداع فنّي يخلّد رمز الإنسانية والعطاء
بقلم الفقير . نادي عاطف
في تحفة فنية استثنائية تفيض بالتقدير والعرفان، أبدع الدكتور محسن سليم، مدرس النحت بكلية الفنون الجميلة بجامعة أسيوط، تمثالًا مهيبًا لجراح القلب العالمي الدكتور مجدي يعقوب، مستخدمًا الطين الأسواني الأصيل، ليكون شاهدًا دائمًا على شخصية أضحت رمزًا للعطاء الإنساني في مصر والعالم.
هذا العمل الفني لم يكن مجرد تمثال يجسّد ملامح الوجه، بل رسالة حب وامتنان لشخصية ملهمة ساهمت في إنقاذ آلاف الأرواح، ورسمت الأمل في قلوب المرضى، وخاصة الأطفال الذين احتاجوا إلى تدخل طبي دقيق لإنقاذ حياتهم.
—
تفاصيل التمثال: فن يحاكي الروح والإنسانية
اعتمد الفنان على خامة الطين الأسواني، تلك المادة التي تمتاز بجودتها وأصالتها، لترتبط بهوية المكان والموروث الفني المصري العريق. وصل ارتفاع التمثال إلى 130 سم بعرض 70 سم، مما منحه حضورًا بصريًا طاغيًا يجذب الأنظار فور رؤيته، كما يعكس التأثير العميق الذي أحدثه الدكتور يعقوب في مجاله.
استغرق العمل على هذا الإبداع قرابة شهرين، تخللهما أكثر من 100 ساعة من العمل المتواصل، ركّز فيها الفنان على أدق التفاصيل. بدءًا من ملامح الوجه التي تعكس الطيبة والتواضع، إلى ثنايا التعبير الإنساني العميق الذي لطالما عُرف به الدكتور يعقوب. لم يكن التمثال مجرد انعكاس للملامح، بل محاولة لتجسيد الروح ذاتها، وكأن كل تفصيلة تحكي قصة كفاح وعطاء مستمرة.
—
ميدان يحمل اسم الأسطورة: تخليد لرسالة حب وعطاء
تم وضع التمثال في ميدان مصر للطيران بمدينة أسوان، وهو الميدان الذي تم تغيير اسمه لاحقًا إلى ميدان الدكتور مجدي يعقوب، في لفتة تكريمية تعبّر عن تقدير الوطن لرجل تجاوزت إنجازاته حدود الطب، ليصبح رمزًا للإنسانية.
هذا التكريم يعكس اعترافًا جماعيًا بقيمة شخصية لم تكتفِ فقط بعلاج القلوب المتعبة، بل ساهمت في نشر الأمل والرحمة في كل مكان. إن تخليد اسم الدكتور يعقوب بهذا الشكل، يؤكد أن العطاء الإنساني الصادق يترك أثرًا لا يمحوه الزمن.
—
رؤية الفنان: رسالة حب قبل أن تكون عملاً فنياً
في تصريحات مؤثرة، عبّر الدكتور محسن سليم عن مشاعره العميقة تجاه هذا العمل، موضحًا أن تصميم التمثال لم يكن مجرد مهمة فنية، بل نابعًا من احترام شخصي كبير لشخصية الدكتور يعقوب، الذي وصفه بـ”ملك القلوب” لما يمثله من رمزية للعطاء الإنساني اللامحدود.
وأشار سليم إلى أن كل تفاصيل التمثال، من دقة ملامح الوجه حتى وضعية الرأس التي توحي بالتواضع والوقار، كانت محاولة لنقل روح الطبيب الإنسان وليس فقط ملامحه الخارجية.
—
تفاعل جماهيري واسع: إشادة بالفن والقيم الإنسانية
ما إن تم الكشف عن التمثال، حتى لاقى تفاعلًا جماهيريًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة. فقد عبّر الجمهور عن إعجابهم بهذا العمل الفني الذي تخطى كونه مجرد منحوتة ليصبح رمزًا لتقدير القيم الإنسانية النبيلة.
امتلأت التعليقات بكلمات الإشادة والانبهار، وأكد الكثيرون أن التمثال لا يكرم شخصًا بعينه فحسب، بل يخلّد قيمة العطاء في المجتمع. لقد أصبح هذا التمثال تجسيدًا فنيًا لفكرة أن الخير لا يُنسى، وأن الشخصيات العظيمة تظل خالدة في قلوب الناس.
—
من هو الدكتور مجدي يعقوب؟ ملك القلوب ورائد جراحة القلب
الدكتور مجدي يعقوب هو واحد من أعظم جراحي القلب في العالم، وُلد في 16 نوفمبر 1935 بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية. بعد تخرجه في كلية الطب بجامعة القاهرة، سافر لاستكمال دراساته في المملكة المتحدة، حيث برز كواحد من أفضل جراحي القلب على مستوى العالم.
أسس يعقوب مركزًا عالميًا لجراحات القلب في أسوان، مخصصًا لعلاج الأطفال ومرضى القلب بالمجان، ليكون تجسيدًا حقيقيًا لرسالته الإنسانية. وبفضل جهوده، نال العديد من الجوائز والأوسمة العالمية، أبرزها وسام الاستحقاق البريطاني ووسام قلادة النيل العظمى.
ما يميزه ليس فقط براعته الطبية، بل تواضعه وإنسانيته الرفيعة التي انعكست على عمله ومساهماته المجتمعية، حيث لطالما اعتبر أن رسالته الحقيقية هي إنقاذ الأرواح دون مقابل.
—
الفن في خدمة القيم الإنسانية: رسالة تتجاوز الشكل
هذا التمثال لم يكن مجرد عمل نحتي جامد، بل هو رسالة فنية سامية تُبرز كيف يمكن للإبداع أن يكون وسيلة لتكريم الشخصيات الملهمة في المجتمع. لقد نجح الفنان في أن يجعل الفن يتحدث، وأن يخلّد شخصية الدكتور مجدي يعقوب ليبقى التمثال شاهدًا على أن العطاء الإنساني لا يموت.
إن تخليد مثل هذه الشخصيات العظيمة يساهم في غرس قيم التضحية والإيثار في وجدان الأجيال القادمة. فالفن هنا لم يعد مجرد أداة للتجميل، بل وسيلة لتخليد المثل العليا ونشرها.
لقد استطاع الدكتور محسن سليم أن يدمج بين الإبداع الفني والرسالة الإنسانية في تحفة خالدة، ليبقى تمثال الدكتور مجدي يعقوب رمزًا خالدًا للعطاء والرحمة، شاهدًا على أن العظمة الحقيقية تكمن في ما يقدمه الإنسان للآخرين