تجذَّر وباء كورونا … وولـّـى القطاع التجاري

 

بيان صادر عن جمعية تجار بيروت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تجذَّر وباء كورونا … وولـّـى القطاع التجاري

 

على أثر صدور بيان رئاسة الحكومة بخصوص "تحديث إستراتيجية مواجهة فيروس كورونا ومراحل التخفيف التدريجي لقيود الإغلاق"،

تشاور القطاع التجاري في مختلف المناطق وكافة المكوّنات لإعلان الموقف المناسب ورفع المطالب التجارية.

 

وأعلن رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس بإسم القطاع ما يلي :

 

بالرغم من درايتنا التامة عن خطورة جائحة كورونا، ومعرفتنا أن علينا كلبنانيين التعايش معها لفترة قد تكون طويلة، هالنا ما صدر عن رئاسة الحكومة من إبقاء القطاع التجاري تحت الحجر المحكم لغاية 8 آذار، فيما كان الجميع موعوداً بإعادة مزاولة النشاط التجاري، ولو جزئيأً، إبتداءً من 8 شباط الجاري،

وهذا ما يمثل وجهاً جديداً من أوجه الفشل الحكومي الذريع في إدارة الملفّات الحيوية ومعالجة الأزمات الإقتصادية والمالية والصحية.

 

فبعد سنة كاملة من التخبّط الحكومي والسياسات الخاطئة، ها نحن اليوم أمام حلقة مُفرغة جهنّمية تغذّي نفسها بنفسها وتتمثّل بكارثة صحية معطوفة على نكبة إقتصادية.

وبعد جهد مجتمعي جهيد، وتضحيات مالية لم تعد تُحتمل، جاءت النتيجة أن الكورونا تجذَّر في المشهد اللبناني فيما ولـّـى الإقتصاد، أو يكاد، وعلى رأسه القطاع التجاري.

 

إن السبب الرئيسي الكامن وراء هذه المصيبة المزدوجة هو أن إختلطت المعايير والمفاهيم في أذهان المسؤولين، فتخيّلوا أن "المنع" هو الطريق المؤدّي الى "المناعة"، وأقدموا على إقفال الأماكن والمناطق الآمنة، مثل المحال التجارية، فيما غضّوا النظر عن المواقع والبيئات المكشوفة على المخاطر،

فضلاً عن أنهم إتخذوا القرارات الصحية الجذرية، حتى ولو كان بعضها مبرّراً، متجاهلين الإعتبارات الإقتصادية المشروعة، كما أنهم وضعوا المجتمع الصحي في مواجهة المجتمع الإقتصادي، وهي ضربة قاسمة للتضامن الوطني.

 

وترافق هذا الإنفصام الخطير بإستهداف القطاع التجاري، الذى يجد نفسه ككل مرّة يلعب دور مكسر العصا لمسؤولين عاجزين أو غافلين أو مضلَّلين.

فبعد إتهامه زوراً بأنه قطاع ريعي غير منتج والمسبّب الأول للإنهيار المالي، ها أن القطاع التجاري يخضع اليوم لتمييز إقتصادي من نوع جديد، فيُشَيطـَـن من كل الجهات، وعلى رأسها الجهات الراعية المُفترضة للقطاع من بين المسؤولين، ويحمَّل عن غير وجه حق مسؤولية تفشّي الجائحة وهو براء منها، الى حدّ أن أصبحت المعادلة " إذا مرض اللبناني، فلنُقفِل التاجر"، وتحوّل الإقفال العام إسماً على غير مسمّى، وأضحى إقفالاً تجارياً بحتاً.

 

إن هكذا تصرّف جائر وظالم تجاه القطاع التجاري، يشكّل في الواقع ضربة قاسمة للإقتصاد الوطني، نظراً لمركزية دور هذا القطاع فيه.

وإن جميع مؤشرات الإقتصاد الكلّي والجزئي الأخيرة تؤكّد على أن أي نكسة في الحلقة التجارية تنعكس فوراً وحتماً على كامل السلسلة الإقتصادية، وتؤدّي الى تفكّكٍ ومآسٍ على مستوى أصحاب العمل، والموظفين، وخزينة الدولة على حدّ سواء.

فخسارة شهرين أو 16% من رقم الأعمال السنوي تمثل تدهوراً موصوفاً، يتراكم مع ما سبقها من خسائر، لضرب مقوّمات ديمومة القطاع التجاري، وتالياً قدرته على الإستمرار في تغذية خزينة الدولة، مع ما يستتبعها من ويلات على الشبكات الإجتماعية والصحية وتجهيز المستشفيات.

والمؤسف أنه تمّ تصنيف القطاع التجاري على أنه "غير أساسي"، ويا للمذلّة، وذلك بناءً على معايير مغلوطة ومنقوصة تبعاً للمنطق الإقتصادي والإجتماعي السليم.

فمن منظورنا، ينبغي إعتماد أربعة معايير لتصنيف القطاعات، وهي على التوالي :

1.      المنفعة الإجتماعية،

2.      والقيمة المضافة الإقتصادية،

3.      ومستوى المناعة المالية،

4.      فضلاً عن مراعاة الأمن الصحي.

وإذا صحّ أن القطاع التجاري لا يندرج في طليعة المعيار الأول، فإنه في المقابل يتربّع في صدارة المعايير الثلاثة التالية.

وهذا ما كان يحتّم إعادة فتح القطاع التجاري قبل الكثير من القطاعات الأخرى، حيث أنه لا يُعتبر مقرّاً أو ممرّاً للوباء، وأن سقوطه، الذى بات وشيكاً، سوف يشكّل هبوطاً مدوّياً للإقتصاد اللبناني برمّته.

 

وعليه، يتساءل المرء كيف يمكن أن تغيب مثل هذه الحقائق الساطعة عن بال أصحاب الشأن من مستشارين ومسؤولين. ومن المؤسف أن يغيب الصوت الإقتصادي بشكل كامل عن لجنة مكافحة كورونا ومقرّراتها، وأن تنصاع السلطة السياسية لتوصية المستشارين بدون أي تمعّن أو تردّد، تماماً كما حصل في الموضوع المالي في النصف الأول من السنة المنصرمة، ممّا أودى بالبلاد الى الجحيم الإقتصادي المعروف.

وبهذا الخصوص لا يفوتنا أن نستذكر جرأة الرئيس الفرنسي في وجه مستشاريه، رافضاً الإغلاق الجديد المقترح، بحجّة الكلفة الإقتصادية الباهظة، كما بيّنها له بوضوح القطاع التجاري.

 

وممّا فاقم من حدّة المعضلة الصحية-الإقتصادية هو التأخر الفاضح في إستقدام اللقاحات الى لبنان ورصد الموازنات الكافية لها، في الوقت الذى تجاوز فيه عدد الجرعات التى تمّ حقنها في إسرائيل الثلاثة ملايين جرعة خلال أسابيع معدودة، وبينما تلقّح إمارة دبي المقيم والسائح على حدّ سواء من أجل إبقاء العجلة الإقتصادية على دورانها.

وهيهات على أيام زمان، حيث كان العالم العربي بأسره يتقاطر الى لبنان للإستشفاء وتلقّي العلاجات الصحية المطلوبة … فصار الأطباء والطواقم الصحية اللبنانية يهجرون بإتجاه تلك الدول بالذات بحثاً عن لقمة العيش الكريم.

 

بناءً على كل ما تقدّم، ونظراً الى الحاجة الماسّة لتفادي الأعظم على المستويين الفردي والجماعي، كما تُظهره التحرّكات الميدانية في هذه المنطقة أو تلك، تتقدّم جمعية تجار بيروت، نيابة عن المجتمع التجاري، بطلب إعادة مزاولة النشاط التجاري إبتداءً من يوم 15 شباط الجاري، أي بعد مرور خمسة أسابيع على الإقفال، وذلك بالدوام الكامل إذا أمكن، أم بدوام جزئي إذا إقتضت الضرورة، وبكافة الأحوال بقوى عاملة مقلّصة، أي بنصف عديد الموظفين مثلاً. مع التأكيد على التقيّد بكافة مندرجات البروتوكول الصحي الموضوع من قِبل الجهات المختصة، (وصولاً الى إجراء فحوصات PCR دورية للموظفين)، ومع الطلب الملحّ بالإقتصاص من المخالفين، من أفراد أو مؤسسات.

 

كما نجدّد المطالبة  بقيام الدولة من جهتها بتقديم الدعم والمساعدات الضرورية لتغطية التضحيات والتكاليف المكبّدة، إن لجهة القيام بتسوية ضريبية شاملة للعام 2019 وما قبل، وإلغاء الرسوم والضرائب لفترات النكبة (أي سنوات 2020 و2021) والدعم بنسبة مئوية معيّنة (على سبيل المثال 20% من رقم الأعمال أو 80% من المعاشات المتوجّبة)، وذلك للحفاظ على إستمرارية المؤسسات التجارية وديمومة العمل فيها. فإن الأصوات ترتفع في فرنسا مثلاً الى حدّ المطالبة بإطلاق خطة مارشال جديدة لدعم المؤسسات والأسر في مواجهة كورونا.

 

وفي حال تعذّر الدعم النقدي المطلوب، يمكن للدولة أن تستعيض عنه بتقديم تنزيل ضريبي Crédit d’Impôt، أي خصم المساعدات التى كان يتوجّب صرفها من قِبل الدولة، من الضرائب والرسوم التى ستستحق على المؤسسات والمحال في الفترات المقبلة.   

 

ونحن كلّنا ثقة بأن المجلس الأعلى للدفاع ورئاسة الحكومة ووزارة الصحة ووزارة الداخلية واللجنة المختصّة بكورونا سوف ينظرون بكل جدية لتلك المطالب ويبادرون، بالتنسيق مع جمعية تجار بيروت والهيئات الإقتصادية، الى إتخاذ قرار إعادة مزاولة النشاط التجاري في 15 شباط الجاري، وذلك تمهيداً لبداية حملة التلقيح المنوي إطلاقها في الأيام القادمة.

 

إن القطاع التجاري على إهبة الإستعداد للمساهمة في صياغة وإعتماد برنامج واضح ودقيق للـ"خروج من الحجر"، مع تقييم مستمر للتأثير المادي والمعنوي والصحي، وبالأرقام، على النشاط الإقتصادي والدورة التجارية وحركة الأسواق والمستهلكين، وذلك مراعاةً لمقتضيات المصلحة العامة، بالإضافة الى رفع الجهوزية الوطنية والوعي الجماعي للتصرّف المسؤول، وذلك قبل حلول شهر نيسان المليء بالأعياد الدينية ومناسبات الإختلاط الإجتماعي.