المرأة العربية بين التراث والحداثة، صورتها في الإنتاج الأدبي والفني ودورها الاقتصادي في التنمية المستدامة، محاور نقاش جلسات اليوم الثاني للمؤتمر الثامن لمنظمة المرأة العربية
عقدت منظمة المرأة العربية ثلاث جلسات افتراضية في اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر الثامن للمنظمة الذي ينعقد برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون ورئاسة السيدة كلودين عون رئيسة المجلس الأعلى للمنظمة، بعنوان "المرأة العربية والتحديات الثقافية".
ترأست الجلسة الأولى التي حملت عنوان "المرأة العربیة بین التراث والحداثة: بين المواجهة والمصالحة"، الدكتورة سلمى النمس، الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، وعضوة المجلس التنفيذي لمنظمة المرأة العربية. تحدثت بداية الدكتورة فهمية شرف الدين من لبنان عن "جلجة تغيير" النظام الثقافي الأبوي الذي يجذّر النظرة الدونية للمرأة وأدوارها التقليدية عبر المنظومة التربوية والمنظومة الحقوقية وتشابكهما، عارضة لكيفية التصدي له. وأخذت الكلام الدكتورة بثينة الغلبزوري من المغرب طارحةً قضية البحث في مصدر إقصاء المرأة وتهميشها، وصولًا إلى التبحر في كيفية فض الاشتباك بين التعاليم الإسلامية والاجتهادات التاريخية، والإيديولوجيات الحداثية المعاصرة، في محاولة للمصالحة بين النسوية والمنظومة التشريعية.
في المداخلة الثالثة، طرحت الدكتورة نهوند القادري عيسى من لبنان مسألة المعضلات التي تحول دون تشكّل خطاب نسوي عربي، وأهمها بقاء المرأة على هامش الفضاء الافتراضي وسيطرة الاقتصاد على الإعلام وتغييب الحياة السياسية، فضلًا عن ترافق ولوج النساء الحياة السياسية مع تراجع دور الدولة وترهل بناها وهياكلها الهرمية. وتحدثت بعد ذلك الباحثة عالية هلال السعدي من سلطنة عُمان لتستعرض دراسة أبستمولوجيا تحليلية لماهية الذات الأنثوية العربية، عازية عدم تبلورها للصراع بين القيم العالمية المتجاوزة لحدود المكان والزمان والقائمة على الحرية والمساواة والعدل والاستقلالية، والقيم المحلية التي تتصف بخصوصية مكانية حضارية متحفظة متسائلة عن إمكانية التوصل إلى التوفيق بينهما.
لاقت المداخلات كافة استحسان المشاركين الذين شاركوا بكثافة في النقاش وطالب معظمهم منظمة المرأة العربية بمواصلة البحث في هذه المواضيع المهمة لا سيما إصلاح المنظومة التربوية والعودة إلى النص الديني وليس التفاسير في توضيح رؤية الإسلام للمرأة ومكانتها والخوض أكثر في أهمية تنوع الخطاب النسوي وسط توحيد الأهداف.
وبدأت الجلسة الثانية التي حملت عنوان "المرأة العربیة في خضمّ الإنتاج الأدبي والفني وآليات التنشئة الاجتماعية" برئاسة الوزيرة السابقة السيدة وفاء الضيقة حمزة، عضوة المجلس التنفيذي لمنظمة المرأة العربية عن الجمهورية اللبنانية، مع مداخلة قدمتها الدكتورة سوزان القليني من مصر، عرضت خلالها نتائج رصد الصورة التي قدمتها المسلسلات التلفزيزنية الرمضانية بين الأعوام 2016 و2019 عن المرأة وأدوارها والتي أظهرت أنها جاءت بمجملها سلبية وتقدم أشكال العنف المختلفة ضد المرأة. وخلصت إلى تأكيد خطورة تأثير القوة الناعمة على تشكيل صورة ذهنية نمطية عن المرأة لدى أفراد المجتمع. تناوبت على الكلام الناقدة والباحثة عزة القصابي من سلطنة عُمان، لتتناول صورة المرأة العمانية كما ظهرت في الأعمال العمانية الإبداعية الفنية والأدبية، وإذا ما استطاعت أن تطرح قضايا المرأة الجوهرية، أم أنها ظلت تعرض صورة نمطية تتماشى مع الفكر التقليدي المترسخ في ذاكرة المجتمع الخليجي الجماعية.
اعتلت المنصة الدكتورة سعاد سليم من لبنان لتستعرض تأثير الجيل الأول من اللبنانيات المستقلات اقتصاديًا من صحافيات ومدرسات في إطلاق النضال النسوي وفتح آفاق التعليم والعمل لأجيال كثيرة من النساء في لبنان كما في الوطن العربي. أما الأستاذة المحاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت، حسن عبود، فتطرقت إلى مسألة بدايات الوعي النسوي وناشطية النساء عبر دراسة عملين لرائدتين من رائدات النهضة في مصر، الأديبة والمصلحة ملك حفني ناصف (1886-1918) والأديبة المفكرة مي زيادة (1886-1941). وبحثت بعد ذلك رئيسة مركز دراسات المرأة في الجامعة الأردنية ميسون وائل يوسف العتوم من الأردن قضية التمثلات الاجتماعية للمرأة في مدينة عمان بهدف التعرّف على الخطوط والملامح العريضة المكونة لمفهوم ومكانة ودور وصورة المرأة في عمان اليوم.
كانت المناقشة غنية وسلطت الضوء على ضرورة تكثيف الجهود حتى لتعكس المسلسلات التلفزيونية والأعمال الأدبية والفنية الوضع الحالي للمرأة العربية والذي يختلف عن الصورة النمطية المنتشرة حالياً.
انطلقت الجلسة الثالثة تحت عنوان "دور المرأة الاقتصادي في التنمية المستدامة والقضاء على الفقر والتهميش" برئاسة الأمين العام لوزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، السيد محمد محمود ولد أحمد سيد يحي. ركزت الباحثة في مجال علم الاجتماع، رفيف رضا صيداوي من لبنان، في مداخلتها على العوامل الماكرويّة التي تقف حائلًا دون القضاء على الفقر والبطالة في الوطن العربي، كظاهرتين تُطاولان بتأثيرهما الفئات المُهمشة، لا سيما النساء، وشددت على أهمية التخلي عن المقاربة الجزئية في معالجة هاتين الظاهرتين وضرورة اعتماد المقاربة الكلية لواقع المرأة العربية، مع ما يستتبع ذلك من وضع سياسات وخطط اقتصادية اجتماعية شاملة وعادلة. وقدم الدكتور فريد أمار من المغرب دراسة حول العقبات التي تحد من الإدماج الفعلي والشامل للمرأة المغربية في عجلة التنمية وسبل تجاوزها، عارضًا لأسباب الفجوة الحاصلة بين الإرادة السياسية بالنهوض بالمرأة وأرض الواقع. وأخذت الكلام الأستاذة إكرام نادر صلاح حج مير من فلسطين، لتعالج موضوع حدود تمكين المرأة الفلسطينية الاقتصادي في ظل التمييز التشريعي والثقافي النوعي على مستوى الأجر ونوع العمل والراتب والإجازات إلخ… وذلك عبر تبيان نواحي القصور في النصوص والمواد القانونية المتعلقة بحقوق المرأة مقارنة بمواد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
واستعرض الأستاذان المحاضران في الجامعات الليبية حسين فرج الشتيوي وأمان الرمالي دور الاقتصاد الرقمي في سد الفجوة بين الجنسين وتمكين المرأة من فرص العمل اللائق ودعم الاقتصاد. وبعد ذلك سلطت الأستاذة في جامعة بغداد نهى الدرويش العراق الضوء على أهمية دور الأسواق الافتراضية في تفعيل أوضاع المرأة العراقية اقتصاديًا، وتمكينها من تخطي الكثير من المعوقات الثقافية التي تفرضها عليها بيئتها المحلية في العمل ضمن الأسواق المباشرة. وختمت أعمال اليوم الأول من المؤتمر المستشارة في قضايا النوع الاجتماعي ديما كرداشة من الأردن، وتحدثت عن واقع ضعف التمكين الاقتصادي للمرأة في المملكة، معتبرة أن أسبابه الجذرية هي ثقافية بحتة.