عكار والدولة.. أما آن لهذا الاستهتار أن ينتهي؟ كتف الوطن
لم يشكل تعاطي الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام مع عكار ومرجعياتها خلال مساعي اختيار مرشحين لتولّي مناصب وزارية سوى استكمال لحكاية قديمة ملّت منها الأوساط العكارية منذ زمن. والقصة ليست قصة كفاءات كما قيل، فعكار معروفة بكفاءة شخصياتها التي حققت النجاحات في لبنان، سواء في المؤسسات الوطنية أو في شركات القطاع الخاص، وفي بلدان المهجر أيضا حيث تولّى أبناء المنطقة أهم المناصب الرسمية والخاصة. لهذا، القصة باختصار هي قصة اجحاف سياسي، اقتصادي، تنموي، تاريخي متواصل بحق محافظة بـ “أمها وأبيها”. والأسلوب الذي تم استخدامه في التعاطي مع حقوق عكار المشروعة خلال اختيار الوزراء، ليس سوى مجرد فصل جديد من فصول قصة الاستهتار بمنطقة كاملة تجسّد حضن الدولة ومؤسساتها، ومواطنون لبنانيون منسيون على مرّ العهود، وهذا أمر آخر، سيأتي يوم ونتوقف عنده مليا، خصوصا وأن عكار عصية على الكسر.
لقد أطلق الرئيس المكلف على حكومته اسم “حكومة الإصلاح والإنقاذ”، وقال إن “الإصلاح هو الطريق الوحيد الى الإنقاذ الحقيقي”، فهل الإصلاح يكون بترسيخ حرمان عكار؟ وهل الإصلاح يكون بتغييب كفاءات عكار؟ أيا يكن، الرئيس سلام يعلم علم اليقين أن ما قاله في مقابلته الأخيرة مع تلفزيون لبنان حول كفاءة الشخصيات التي اقترحتها كتلة الاعتدال الوطني، ليس دقيقا، وهذا أقل ما يقال. لقد عملت الكتلة ليلا نهارا خلال فترة الشغور الرئاسي من أجل الوصول إلى اجماع وطني على انتخاب رئيس للجمهورية، وثم قدمت أصواتها مجتمعة خلال الاستشارات النيابية للرئيس المكلّف نواف سلام. لكن تعاطي الرئيس المكلف كان مخيبا للآمال، وتعليقه على موضوع الكفاءات العكارية، لم يكن موفقا.
ويكاد هذا الأسلوب في التعاطي مع عكار، يشكل عُرفا مستغربا وممجوجا إلى حد كبير، هل تعلمون لماذا؟ تعالوا نلقي نظرة تاريخية على بعض الأرقام التي نشرتها صحيفة النهار نقلا عن الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين. تقول الصحيفة أنه منذ بدء تطبيق اتفاق الطائف حتى اليوم تألفت في لبنان 20 حكومة، 10 منها قبل عام 2005، و10 بعد الانسحاب السوري من لبنان. تمثيل كفاءات عكار في هذه الحكومات لم يكن أمرا مألوفا بالنسبة لعدد كبير من رؤساء الحكومات في مرحلة مع بعد الطائف. ومن أصل 520 وزيرا انضموا إلى هذه الحكومات، 10 فقط كانوا من عكار. ومعظم الوزارات التي أُسندت إلى كفاءات عكار من الوزراء لم تكن أساسية. ليس هذا فحسب، إذ أن حضور عكار وزاريا لم يحصل سوى في 8 حكومات وغاب عن 12 حكومة. وذكرت النهار أنه ليس من المصادفة أن تكون آخر مشاركة لعكار في حكومة كانت قبل نحو 10 سنوات في حكومة الرئيس السابق سعد الحريري والتي كانت الأولى في عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون.
نقول قولنا هذا، لنعود ونذكّر أن عكار التي احتفلت بانتخاب العماد جوزاف عون رئيسا جديدا للبلاد، هي حضن الدولة وحضن المؤسسة العسكرية التي يعرفها الرئيس جوزاف عون أكثر من غيره. ونحن نتأمل مع انطلاق حكومة العهد الجديد، أن يبدأ السياسيون من أصحاب مراكز المسؤولية بالتعامل مع عكار بأسلوب يرتقي إلى كفاءاتها، وأن تتوقف فصول قصة الاستهتار بهذه المحافظة المنسية. ولا نعتقد أن هناك ضرورة للتذكير أن آخر مشروع تنموي في المحافظة تم تخطيطه منذ فترة بعيدة طواها الزمن. وكلنا نتذكر أن عكار ليست محرومة فقط من التمثيل الوزاري من خلال الكفاءات التي تتمتع بها، إذ تعاني أيضا من نقص حاد ومقصود في كل أنواع المشاريع الإنمائية الحكومية. ويكفي أن نذكر أنه في العام 2015، أقرّت الحكومة اللبنانية مبلغ 200 مليون دولار لتمويل مشاريع إنمائية في مختلف المناطق اللبنانية، إلا أن حصة عكار كانت 7 ملايين دولار فقط! لقد آن أوان نهاية قصة الاستهتار والحرمان في عكار، وكلنا أمل أن تنجح الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس نواف سلام في وضع حد لهذا الحرمان المزمن.
هذه السطور هي ليست لتوجيه أي رسائل من شأنها التشويش على أحد بل عربون وفاء للوطن كله وعكار خاصة وأمل بتعويض كل الحرمان عبر ترجمته بمشاريع إنمائية وحيوية ومناصب لمن يستحق والنظر بروح التغير لمحافظة تمتلك الكثير من مقومات رفعة الوطن.
أسامة العويد