تقدير استراتيجي لمركز الزيتونة يبحث انعكاسات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة على الأوضاع الداخلية الإسرائيلية
أصدر مركز الزيتونة تقديره الاستراتيجي 139، وهو من إعداد د. عبد الله الغزاوي. ويسلط التقدير الضوء على أبرز مفاعيل اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال والمقاومة في غزة على الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، من حيث انعكاساته السياسية والأمنية والعسكرية، وتشكيل لجان التحقيق، واحتمالات خرق الاتفاق إسرائيلياً، وعوامله الذاتية والموضوعية. إذ أن الاتفاق إسرائيلي فلسطيني إقليمي ودولي، ما يجعل أي تطوّر ما في الساحة الإسرائيلية الداخلية يترك تبعاته على هذه القطاعات مجتمعة، وتجعل الأنظار الفلسطينية والإقليمية والدولية موجهة بصورة مركزة نحو تلك الساحة، خشية أن يُسهم أي تفاعل فيها بإفشال ما تمّ الاتفاق عليه.
وبالرغم من كون هذا الاتفاق قد جاء بعد نحو 15 شهراً من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبعد مخاض عسير تخلله عشرات آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين، ودمار شامل غير مسبوق، ومعاناة في كل المجالات، وبعد مباحثات ومفاوضات مكوكية شهدتها عدد من عواصم الإقليم والعالم، إلا أنه ما زالت تُطرح العديد من الهواجس حول إمكانية عدم تثبيت الاتفاق لاعتبارات تخصُّ مختلف الأطراف، لا سيّما الاحتلال. وإن بدا مثل هذا الاحتمال ضعيفاً في ظلّ إصرار الإدارة الأمريكية، الطرف الضاغط الوحيد على الاحتلال، على استكمال برامجها الإقليمية والدولية، وعدم رغبتها بالتشويش عليها، إلا أن التقدير أشار إلى جملة من العوامل الإسرائيلية التي قد تجعل من ذلك الاحتمال أمراً واقعاً، كتراجع الضغط الجماهيري الإسرائيلي على الحكومة لوقف الحرب، مع عودة آخر مختطف لدى المقاومة، وانخفاض وتيرة المظاهرات الأسبوعية الضاغطة على المستويين السياسي والعسكري، وإزاحة رئيس الحكومة لعدد من الشخصيات التي كانت تُشكّل له عقبات كأداء في استكمال الحرب بلا نهاية، وإحلال أخرى “مطواعة” له، ومدينة له بالفضل، بحيث تكون منساقة لما يريده من مخططات. بالإضافة إلى مطالبة شركاء نتنياهو، لا سيّما سموتريتش وبن جفير، بالعودة للحرب بعد استكمال الصفقة في مراحلها الثلاث، وطيّ صفحة المختطفين، وشعوره الفعلي بأنّ ائتلافه الحاكم في خطر حقيقي.
ويعرض التقدير لأهم السيناريوهات والتوقّعات المحتملة لمستقبل قطاع غزة والتي تراوحت بين عودة العدوان من جديد، وبنفس الضراوة، وقدّر أنّ احتمالية ذلك ضعيفة، وبين سيناريو آخر قضى باستمرار الاحتلال في توجيه بعض الضربات المركّزة تجاه أهداف “ثمينة” للمقاومة في غزة وخارجها، والعمل بسياسة “حافة الهاوية”، دون الوصول إلى وضع يُستأنف فيه العدوان بصورته الدموية الشاملة، ورأى فيه احتمالاً مرجّحاً وممكن التحقق في ظلّ تفاهمات إسرائيلية أمريكية. أما السناريو ثالث، فهو مبنيّ على احتمالية توقّف العدوان نهائياً، وعودة الحياة في غزة إلى طبيعتها تدريجياً، إلا أن امكانية حدوثه متوسطة، معلّلاً ذلك بالمستجدات الكبيرة التي طرأت على الواقع الغزي.
وخلص التقدير إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يؤسس فعلياً لنهاية العدوان الإسرائيلي على القطاع بالصورة الوحشية، لكنه لا يطوي صفحة العدوان الذي سيأخذ صوراً وأشكالاً عديدة، ستكون أقل دموية من القصف والتدمير، لكنه سيحمل دلالات سياسية وأمنية لا يستهان بها. ولم يستبعد التقدير أن يكون انصياع الاحتلال لرغبة واشنطن بوقف الحرب، والمضيّ قدماً في التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، قد قابله ملاحق سرية بين الطرفين الإسرائيلي والأمريكي، صاغها وأشرف عليها وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي رون ديرمر المقرّب من نتنياهو، خلال زياراته المكوكية لواشنطن، ولقاءاته المكثفة مع مبعوثي إدارتَي جو بايدن وترامب، وتضمنت فعلياً العودة للحرب في حال أي خرق قد يحدث، وهذا ما يفسّر أن الخرق قد يكون متوافَقاً عليه بينهما.
أما عن مسألة “اليوم التالي” في غزة ودور حماس في الحكم، ونزع سلاح المقاومة، وملف الإعمار، وكل ما يرتبط بذلك من ابتزاز سياسي ومالي، فرأى التقدير أنها موضع نقاش وتدافع، وتمثّل عنصر تفجير محتمل للوضع في غزة.
وأوصى التقدير بالعمل الجاد والحقيقي على استدامة اتفاق وقف إطلاق النار، ومنحه مزيداً من الأوكسجين لإبقائه على قيد الحياة، لما لذلك من مصلحة لجميع الأطراف، وأولهم الشعب الفلسطيني في غزة. ودعا المقاومة للحرص على نزع أي ذريعة من الاحتلال لاستئناف العدوان، كما دعاها للتواصل مع الوسطاء بشكل دائم، وتحديث معلوماتهم حول خروقات الاحتلال، مهما كانت صغيرة.
كما أشار التقدير إلى أهمية تكثيف الجهود الفلسطينية لتعزيز العمل بصيغة اليوم التالي بمشاركة كل الأطراف، وجعله شأناً فلسطينياً داخلياً، وقطع الطريق على الاحتلال الإسرائيلي والأمريكان وحلفائهم للتدخل في الشأن الفلسطيني. وأوصى التقدير أيضاً بالشروع بالإعداد لورشة عمل فلسطينية عربية دولية واسعة، في الداخل والخارج، لترميم جراحات الشعب الفلسطيني في غزة، والمشاركة في مهام إعادة الإعمار، وإنهاء معاناته.