تهريبة تراخيص تأمين لسلام تثير الشكوك! قطاع متخم وتعويل على إصلاحات البساط
تهريبة تراخيص تأمين لسلام تثير الشكوك!
قطاع متخم وتعويل على إصلاحات البساط
ورد في النّهار – سلوى بعلبكي : أن يحال اي مسؤول في لبنان الى التحقيق القضائي بتهم “الاختلاس والإبتزاز وهدر المال العام وتبييض الأموال”، لهي على ندرتها، إندفاعة غير مسبوقة في تاريخ العدالة اللبنانية. ففي خطوة لها دلالاتها الاصلاحية، واجه وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، تحقيقات قضائية تربطه مع شقيقه كريم، ومستشاره فادي تميم الموقوفين قيد التحقيق بشبهات فساد، وممارسة الإبتزاز المالي لشركات تأمين لبنانية عدة.
فهل كانت المحاولة الفاشلة لسلام الإنتساب إلى نقابة محامي الشمال، إستشعاراً منه بقرب إجراءات قضائية بحقه، و”إرتجاءً لحصانة المحامي، كتعويض عن سقوط حصانة الوزير” وفق تعبير “المفكرة القانونية”. بيد أن ممارسات تحمل أيضاً شبهات فساد، أتاها سلام في أيامه الأخيرة على رأس وزارة الاقتصاد، لم تحظ بأي تحقيق قضائي، أو إهتمام إعلامي.
ففي خطوة إعتبرها مراقبون “غير بريئة” ومشبوهة، قام سلام، قبل تركه منصبه بفترة قصيرة، بمنح ترخيصين جديدين، فيما كان ترخيصاً ثالثاً على وشك التوقيع قبل أن يدهمه سرعة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة، بما أعاق مخطط الترخيص للشركة الثالثة. واللافت ان إحدى الشركتين كانت شبه متوقفة عن العملوالأخرى مفلسة أعاد الوزير سلام تفعيلها بالمساهمين أنفسهم، الامر الذي أعاده البعض إلى رشاوى سياسية وخلافه بين المستثمرين وسلام، الذي كان يُعِدّ العدة للدخول إلى نادي رؤساء الحكومات.
ما الجدوى الاقتصادية؟ أو المبررات العلمية، التي دفعته إلى زيادة عدد شركات التأمين؟ فيما سوق التأمين اللبنانية مشبع وغير مستقر، ومتخم بـ 52 شركة تأمين مرخصة وقانونية، ويُعتبر عددها مرتفعاً مقارنة مع حجم الإقتصاد، وتداعيات الأزمة المالية.
وفي مقارنة بين الأسواق، يلاحظ أن عدد شركات التأمين في الإمارات العربية المتحدة يعادل عددها في لبنان، في حين يزيد حجم السوق الإماراتية 15 إلى 16 ضعفاً عن السوق اللبنانية، التي يبلغ إجمالي أقساط التأمين فيه(GWP) نحو مليار دولار فقط.
وفي مقارنة أخرى، أصدر سلام تراخيص عدة لوسطاء تأمين في سوق متعب إقتصادياً وغارقٌ بالآلاف منهم، في مقابل حوالي 100 وسيط تأمين فقط مسجل في المملكة العربية السعودية التي يزيد سوق التأمين فيها عن عشر أضعاف السوق اللبنانية، بما أثار الشكوك حول شفافية التراخيص والحافز إلى الإسراع بتوقيعها.
وعليه، تشي التراخيص المذكورة، بعد مقارنتها مع أسواق عربية أخرى إلى تلاعب مدفوع بفشل في مقاربة واقع سوق التأمين اللبنانية وحاجاتها، بما يعرض القطاع إلى المزيد من التجزئة وعدم الاستقرار. علماً أن أحد التراخيص التي أعاد سلام تفعيلها، مُنَح لشركة غائبة عن السوق، ولمستثمر لا خبرة له، أو تاريخ في مجال إدارة المخاطر، بل فقط في وساطة التأمين.
كذلك أضاف سلام إلى سجله في وزارة الاقتصاد إنجازاً “خدماتياً”، تمثل في منحه ترخيصاً، لشركة تأمين جديدة تحمل علامة تجارية، تشير إلى أنها صندوق تعاضديّ، الامر الذي سيؤدي حتماً إلى إلتباس لدى المستهلكين الذين قد يظنون أنّ تأمينهم هو عبر صندوق تعاضديّ، فيما حقيقة الأمر أن التغطية هي لشركة تأمين تقليدية، أي شركة تجارية مساهمة خاضعة لرقابة ووصاية وزارة الاقتصاد.
ما الدافع وراء هذه الحبكة؟ بخلاف شركات التأمين التي تنال تراخيصها من وزارة الاقتصاد، فإن صناديق التعاضد تنال تراخيصها من وزارة الزراعة، وتخضع لوصايتها. وهذا الأمر إشكاليّ بحدّ ذاته، حيث أنّ شركات التأمين في العالم تخضع للجنة ناظمة ورقابيّة موحّدة. أضف إلى ذلك أنّ صناديق التعاضد غير ملزمة بوضع مؤونات والاحتياطات المفروضة على الشركات، أكان على البوالص الصادرة أو على الحوادث الحاصلة وغير المدفوعة، وهو خطأ فادح على وزارة الوصاية تصحيحه. وبما أن الصناديق معفاة من الضرائب والرسوم، بموجب المادة 58 من قانون الجمعيات التعاونية، ستحظى بهامش واسع من المنافسة في الأسعار. وتاليا فإن الترخيص لشركة تأمين بإسم تجاري يوحي بأنها صندوق تعاضدي، سيزيد من جذب الزبائن وأرباب العمل إليها، بما سيرفع من عائداتها وأرباحها، علما أن صاحب الترخيص معروف في الوسط التأميني بسياسة إغراق السوق بالأسعار، وتاريخه المالي مشبوه.
الى ذلك، تشكك مصادر عاملة في سوق التأمين، بأن إحدى الشركات المرخصَّة، تعمل كواجهة لشركاء غير معلنين، وتعزو قرارات سلام الأخيرة “إلى أهداف شخصية، تهدد التوازن المنهك أصلاً في القطاع”. وترى أن “من مصلحة الرأي العام اللبناني، ومشروع الإصلاح الحكومي المعول عليه، أن يحظى الملف بكل الإهتمام والرعاية، والإجراءات التصحيحية”.
وتوجهت المصادر عينها إلى الوزير الحالي عامر بساط، تطالبه “بالتدقيق في قانونية وشرعية التراخيص الممنوحة، وتعليق أي تراخيص مشبوهة، ووضع إطار عصري وعلمي، لتنظيم منح الترخيص”.
وإنطلاقاً من إعتبارها قطاع التأمين، أحد أركان الثقة والاستقرار في أي اقتصاد حديث، دعت المصادر إلى إطلاق استراتيجية وطنية، ترعى إندماج الشركات المتعبة، وتشجع على إستيعاب الشركات الضعيفة، ضمن كيانات أكثر ملاءة.
وختمت أن “لبنان، الذي يواجه أزمات بنيوية، لا يتحمل المزيد من الأضرار الناتجة عن سوء الحوكمة، أو السياسات المصممة لخدمة المصالح الشخصية. ولذا على الدولة، الدفع نحو رقابة برلمانية، وتشريعات تضمن المساءلة والمحاسبة، والشفافية التي تستجيب للمطالب والمعايير الدولية.