منوعات

دار نشر الجامعة الأميركيّة في بيروت تستضيف شارل الحايك في معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب: “كيف نُعيد التاريخ إلى الجمهور؟”

دار نشر الجامعة الأميركيّة في بيروت تستضيف شارل الحايك

في معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب: “كيف نُعيد التاريخ إلى الجمهور؟

ضمن مشاركتها في الدورة السادسة والستّين من معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب، نظّمت دار نشر الجامعة الأميركيّة في بيروت ندوة حواريّة بعنوان: “كيف نُعيد التاريخ إلى الجمهور؟”، جمعت بين المؤرّخ والباحث المعروف شارل الحايك والدكتور بلال الأرفه لي في جلسة فكريّة شيّقة. وقد جاءت هذه الفعالية بدعم من كرسي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وبالتعاون مع مركز الفنون والآداب في الجامعة، لتشكّل مساحة للنقاش حول العلاقة بين التاريخ والجمهور، وأهمّيّة تبسيط المعرفة التاريخيّة وإتاحتها خارج الأطر الأكاديميّة التقليديّة.

شارل الحايك هو مؤرّخ لبنانيّ، ومؤسّس منصّة “التراث والجذور”، وباحث في الجامعة الأميركيّة في بيروت. وهو أيضًا مُعدّ ومقدّم البرنامج التلفزيونيّ الشهير “لبنان بقصّة” الذي يُعرض على شاشة LBCI ويُعنى بالتاريخ العامّ. وقد استقطبت الندوة جمهورًا متنوّعًا ضمّ مؤرّخين بارزين، وطلّاب جامعات من تخصّصات مختلفة، إلى جانب عدد كبير من المهتمّين بالتاريخ.

استهلّ الدكتور بلال الأرفه لي النقاش بالإضاءة على النظرة السائدة إلى التاريخ كمادّة “جافّة” في المناهج المدرسيّة، غالبًا ما تكون منفصلة عن تجارب الناس اليوميّة والواقع الذي تسعى إلى تمثيله. من جانبه، توسّع شارل الحايك في هذا الطرح، مشيرًا إلى أنَّ كتب التاريخ المدرسيّة في لبنان لم تُحدَّث منذ تسعينيّات القرن الماضي، وحتّى التعديلات التي أُدخلت عليها اقتصر تأثيرها على المضمون، من دون أن تمسّ طريقة التعليم نفسها. والنتيجة، برأيه، هي تلقٍ غير نقديّ للتاريخ، يُفرغه من إمكاناته الحيويّة. كما شدّد الحايك على الأهمّيّة الكبيرة للروايات الشفهيّة، من حكايات وأشعار وزجل وسواها من التعبيرات الثقافيّة، باعتبارها مصادر غنيّة تساعد على فهم الماضي من زوايا غالبًا ما تُهمّش في السرديّات التقليديّة.

وأوضح شارل الحايك أنّ ما يُعرف بـ”التاريخ العام” يهدف إلى إنتاج معرفة متاحة للجميع، تُعين الناس على تذكّر جذورهم وفهم حاضرهم بشكل أعمق. هذا النوع من المقاربات لا يكتفي بعرض الأحداث التاريخيّة فحسب، بل يسعى إلى تحفيز التفكير النقديّ، وطرح الأسئلة الصعبة التي غالبًا ما تُغفل في السرديّات التقليديّة.

انتقل النقاش بعد ذلك إلى أهمّيّة الذاكرة الفرديّة والجماعيّة في إغناء السرد التاريخيّ. وأكّد شارل الحايك على الحاجة إلى إعادة البُعد العاطفيّ إلى دراسة التاريخ، معتبرًا أنّ المشاعر حين تُستحضر في السرد التاريخيّ، غالبًا ما يجري توظيفها لخدمة أيديولوجيّات سياسيّة. أمّا حين يُجرَّد التاريخ من العاطفة، فإنّه يتحوّل إلى مادّة باردة ومنفصلة عن الناس. ودعا الحايك إلى مقاربة أكثر إنسانيّة، لا تقتصر على سرد المحطّات السياسيّة أو الحروب، بل تُنصت أيضًا إلى تفاصيل الحياة اليوميّة للناس الذين عاشوا تلك الأحداث، بما يمنح التاريخ طابعًا أقرب وأكثر صدقًا.

وردًّا على سؤال حول العلاقة بين السرديّات التاريخيّة العامّة وتلك المتخصّصة، شدّد شارل الحايك على قوّة الحكاية كأداة قادرة على ردم الهوّة بين الاثنين. فالسرد، برأيه، يمتلك قدرة تحويل الأرشيفات التقليديّة إلى قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور أوسع. لكنّه في الوقت نفسه حذّر من إمكانيّة التلاعب بهذا السرد، خصوصًا حين يُسخَّر لخدمة أجندات أيديولوجيّة معيّنة، ما يستدعي وعيًا نقديًّا في تلقّي الروايات التاريخيّة وتوظيفها.

وفي السياق نفسه، أثار الدكتور بلال الأرفه لي مسألة التحوّلات التي تفرضها المنصّات الرقميّة على طريقة تفاعل الأجيال الجديدة مع التاريخ. فالمحتوى القصير المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعيّ يساهم في توسيع الوصول إلى المعرفة ويمنح الجمهور دورًا أكثر فاعليّة في تلقّيها. لكن شارل الحايك نبّه إلى الوجه الآخر لهذا التوجّه، محذّرًا من انتشار المعلومات المغلوطة، خصوصًا حين يُنتَج المحتوى من دون خلفيّة بحثيّة موثوقة. واقترح في هذا السياق اعتماد أسلوب السرد المتسلسل، الذي يوفّر عمقًا في الطرح من دون أن يفقد الجمهور اهتمامه أو تفاعله.

وفي نهاية الندوة اختُتِم النقاش بجلسة أسئلة وأجوبة تفاعليّة، طرح خلالها الحضور العديد من التساؤلات حول السرديّات التاريخيّة المتنازع عليها، وكيفيّة التعامل معها بأفضل الطرق.

لمشاهدة الحوار كاملًا، زوروا قناة دار نشر الجامعة الأميركيّة على يوتيوب.